Saturday, May 16, 2015

مضار الغضب الاجتماعية و الجسمية و النفسية


ومن مضار الغضب الاجتماعية أنه " يوَّلد الحقد في القلوب ، وإضمار السوء للناس ، وهذا ربما أدى إلى إيذاء المسلمين وهجرهم ، ومزيد الشماتة بهم عند المصيبة ، وهكذا تثور العداوة والبغضاء بين الأصدقاء ، وتنقطع الصلة بين الأقرباء ، فتفسد الحياة وتنهار المجتمعات " ( 6 ) .
أما مضاره الجسمية و النفسية فكثيرةٌ جداً حيث " ثبت علمياً أن الغضب كصورةٍ من صور الانفعال النفسي يؤثر على قلب الشخص الذي يغضب تأثيراً يُماثل تمامًا تأثير العدْو أو الجري في إجهاده للقلب لا يستمر طويلاً ؛ لأن المرء يُمكن أن يتوقف عن الجري إن هو أراد ذلك " ( 7 ) .


كما أشارت بعض الدراسات إلى أن للغضب العديد من المضار الجسمية على صحة وسلامة الإنسان التي منها التعرض لارتفاع ضغط الدم ، واحتمال الإصابة بالأزمات القلبية نتيجة التوتر الشديد الذي يُصاب به الإنسان الغاضب الذي يتعرض " لتغير لونه ، وطفح دمه ، وانتفاخ أوداجه ، وارتعاد أطرافه ، واضطراب حركته ، وتلجلج كلامه " ( 8 ) .
وليس هذا فحسب ؛ فهناك بعض المضار الأُخرى التي ربما أودت بحياة الإنسان حيث يمكن أن تؤدي " شدة الغضب والانفعال إلى سرعة خفقان القلب أو انفجار شرايين المخ ، أو الإصابة بالجلطة القلبية إذا كان الغاضب يشكو من ضعفٍ في القلب " ( 9 ) .
وللغضب تأثيراتٌ سيئة على الجانب الفكري عند الإنسان إذ إن " الانفعال الشديد يُعطل التفكير ، ويُصبح الإنسان غير قادرٍ على التفكير السليم أو إصدار القرارات السليمة ، وبذلك يفقد الإنسان أهم وظائفه التي يتميز بها وهي الاتزان العقلي " ( 10 ) .
وهذا معناه أن الإنسان الغاضب غير قادرٍ - في الغالب - على ضبط نفسه ، والتحكّم في تصرفاته نتيجةً لقوة غضبه ، وشدة انفعاله ، التي تحول دون ضبطه لنفسه والتحكم في تصرفاته ، وتدعوه في الغالب إلى المواجهة أو الانتقام أو نحو ذلك من الأقوال أو الأفعال .
علاج الغضب :
انطلاقاً من كون الغضب طبعٌ بشريٌ فطريٌ لا يُمكن دفعه ، فإن من عظمة الإسلام وكماله أن اعترفت التربية الإسلامية بذلك وبيَّنت طرق الوقاية منه ، وكيفية علاجه ، بطرقٍ مختلفة ، ووسائل متنوعة نُجملها في ما يلي :
أولاً / محاولة البُعد عن دواعي الغضب وتجنب أسبابه ، وعدم التعرض لما يؤدي إليه من الأقوال والأفعال التي منها : " الكِبـْرُ و التعالي والتفاخر على الناس ، والهزءُ و السُخرية بالآخرين ، وكثرة المزاح ولاسيما في غير حق ، والجدل و التدخل فيما لا يعني ، والحرص على فضول المال أو الجاه "(11) .      
ثانياً / الاستعاذة بالله العظيم من الشيطان الرجيم عملاً بقوله تعالى : } وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ { ( سورة الأعراف: الآية رقم 200 ) . فالإنسان الغاضب عندما يستعيذ بالله تعالى من الشيطان إنما يعتصم بعظمة الله تعالى ويلوذ بها ، ويستحضرها في نفسه لما في ذلك من طردٍ للشيطان ودحره وإبطال مكره ، ومن ثم يسكن الغضب وتهدأ ثورته – بإذن الله تعالى -. فعن سليمان بن صُرَد أنه قال : استب رجلان عند النبي e فجعل أحدهما تحمَّر عيناه ، وتنتفخ أوداجه . فقال رسول الله e : " إني لأعرف كلمةً لو قالها هذا لذهب عنه الذي يجد ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " ( أبو داود ، ج 4 ، الحديث رقم 4781 ، ص 249 ) .
ثالثاً / التزام الصمت وعدم الكلام لما في ذلك من الحيلولة – بإذن الله – دون وقوع الغاضب في ما لا تُحمد عُقباه من بذيء اللفظ وسيئ الكلام ( سباً ، أو شتماً ، أو سخريةً ، أو نحو ذلك ) . ولأن " من الناس من لا يسكت عند الغضب ، فهو ثورةٌ دائمة ، وتغيظٌ يطبع على وجهه العُبوس . إذا مسَّه أحدٌ ارتعش كالمحموم ، وأنشأ يُرغي و يُزبد ، و يلعن ويطعن " ( 12 ) .
ولهذا كان سكوت الغاضب و تركه للكلام علاجاً مناسباً للغضب لما روي عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن النبي e قال : " إذا غضب أحدكم فليسكت " قالها ثلاثاً . ( أحمد ، ج 1 ، الحديث رقم 2136 ، ص 239 ) .
وهنا يلاحظ الإعجاز التربوي النبوي المتمثل في توجيهه e للغاضب بالتزام الصمت وعدم الكلام " وهذا دواءٌ عظيمٌ للغضب ؛ لأن الغضبان يصدر منه في حال غضبه من القول ما يندم عليه في حال زوال غضبه كثيراً من السباب وغيره ، مما يعظم ضرره ، فإذا سكت زال هذا الشر كله عنه " ( 13 ) .
   رابعاً/ التصاق الإنسان الغاضب بالأرض لما روي عن أبي سعيد الخُدري t مرفوعاً أن النبي e قال : " ألا وإن الغضب جمرةٌ في قلب ابن آدم ، أما رأيتم إلى حُمرة عينيه وانتفاخ أوداجه ، فمن أحس بشيءٍ من ذلك فليلصق بالأرض " ( الترمذي ، ج4 ، الحديث رقم 2191 ، ص 483 ) . ولعل المقصود بالالتصاق هنا بقاء الغاضب في مكانه وعدم الحركة كما يُشير إلى ذلك أحد الباحثين بقوله : " نُلاحظ في هذا الحديث لوناً من ألوان العلاج لثورة الغضب ، وصفه الرسول e ألا وهو اللصوق بالأرض ، والغرض منه تجميد كُلَّ حركةٍ يمكن أن ينجم عنها آثارٌ غضبية مادية " ( 14 ).
خامساً / الانشغال بذكر الله تعالى لما في ذلك من حصول الطمأنينة والسكينة مصداقاً لقوله تعالى : } أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ { ( الرعد : من الآية 28 ) . كما أن في ذلك تذكيرٌ للنفس الغاضبة بعظمة الله جل في عُلاه وقدرته ، وحثٌ على الخوف منه سبحانه لا سيما متى كان غضب الإنسان على من هو قادرٌ على عقابه والانتقام منه . وقد ورد أنه " وجد في التوراة مكتوباً : ي ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكُرك حين أغضب فلا أمحقك فيمن أمحق " ( 15 ) .
سادساً / تغيير الحالة التي يكون عليها الغاضب إلى حالةٍ أُخرى لأن في ذلك شغلٌ له وانصرافٌ – ولو يسير – عن ما هو فيه من غضب ؛ فعن أبي ذرٍ t أن رسول الله e قال : " إذا غضب أحدكم وهو قائمٌ فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع "( أبو داود ، ج4 ، الحديث رقم 4782 ، ص 249 ) .
وهنا نلاحظ إعجازاً نبوياً تربوياً آخر فالغاضب القائم يكون في حالة تهيئٍ واستعدادٍ لسرعة الانتقام أكثر مما لو كان جالساً أو مُضطجعاً ؛ فجاء التوجيه النبوي الكريم داعياً إلى تغيير الحالة التي يكون عليها الغاضب منعاً لما قد يتوقع من ردة الفعل المباشرة ، وعلاجاً لها حيث " أن الجلوس أو الاضطجاع في حالة الغضب يؤديان إلى استرخاء البدن ، مما يُساعد على مقاومة التوتر الذي أحدثه الغضب ؛ ويؤدي ذلك في النهاية إلى تخفيف حدة انفعال الغاضب تدريجياً ، ثم التخلص منه نهائياً . كما أن الجلوس و الاضطجاع يقاومان ميل الإنسان إلى العدوان " ( 16 ) .
سابعاً / المسارعة إلى الوضوء الذي له أثرٌ فاعلٌ في تهدئة ثورة الغضب التي تتسبب في فوران دم الإنسان الغاضب وارتفاع حرارة جسمه ، وبذلك يعود الإنسان إلى وضعه الطبيعي – بإذن الله - . فعن عطية بن عروة السعدي أنه قال : قال رسول الله e : " إن الغضب من الشيطان ، وإن الشيطان خُلق من النار ، وإنما تُطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ " ( أبو داود ، ج 4 ، الحديث رقم 4784 ، ص 249 ) . وقد عَلَّق أحد المختصين على هذا الحديث بقوله : " ويُشير هذا الحديث إلى حقيقةٍ طبيةٍ معروفة ؛ فالماء البارد يُهدئ من فورة الدم الناشئة عن الانفعال ، كما يُساعد على تخفيف حالة التوتر العضلي و العصبي " ( 17 ) .
ثامناً / كظم الغيظ بعدم إنفاذ الغضب ، ومحاولة إخماد جذوته لما في ذلك من الفضل العظيم الذي قال فيه سبحانه وتعالى : } وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ { ( آل عمران : من الآية 134 ) . وروي عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) عن النبي e أنه قال : " .. وما من جرعةٍ أحبُ إليَّ من جرعة غيظٍ يكظمها عبدٌ ؛ ما كظمها عبدٌ لله إلاَّ ملأَ جوفه إيماناً " ( أحمد ، ج 1 ، الحديث رقم 3017 ، ص 327  ) .
وعن معاذ بن أنس أن النبي e قال : " من كظم غيظاً وهو يقدر على أن يُنفذه ، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يُخَيَّره في أي الحور شاء " ( الترمذي ، ج 4 ، الحديث رقم 2493 ، ص 656 ) . وهذا فيه بُعدٌ تربويٌ يُشجع المسلم على التحكم في انفعالات النفس ، وعدم الاستجابة لها ، كما أن فيه تعويدٌ لها على قهر الغضب ، والعمل على عدم إنفاذه رغبةً فيما أعدَّه الله تعالى لمن ابتغى بذلك الأجر والثواب .
تاسعاً / العمل على ترويض النفس وتربيتها بين الحين والآخر على التحلي بفضائل الأخلاق وكريم السجايا وحميد الصفات حتى تعتاد الحلم والصفح ، وتألف الصبر والتروي ، وتتربى على عدم الاندفاع والتسرع في الرد والانتقام عند الغضب سواءً بالقول أو الفعل . وهكذا مرةً بعد مرة يُصبح ذلك طبعاً عند الإنسان المسلم مقتدياً فيه برسوله e الذي كان يسبق حلمه غضبه ، وعفوه عقوبته " فالمؤمن الذي يعلم فضل الحلم عند الله ، ويُلاحظ الثواب العظيم الذي أعدَّه الله للحُلماء ، لا بُد أن يجد في نفسه اندفاعاً قوياً لاكتساب فضيلة الحلم ، ولو على سبيل التكلف ومُغالبة النفس ، وبعد التدرب خلال مدةٍ من الزمن قد تطول أو لا تطول فقد يُصبح الحلم سجيةً خُلقية مكتسبة ، ولو لم يكن في الأصل طبعاً فطرياً " ( 18 ) .
عاشراً / العمل على التحكم في الانفعالات وامتلاك النفس عند الغضب كنوعٍ من قوة الشخصية التي حث عليها النبي e في ما روي عن أبي هريرة   أن رسول الله  e قال : " ليس الشديدُ بالصُّرَعَة ، إنَّما الشديدُ الذي يملكُ نفسهُ عند الغَضَب " ( البخاري ، ص 1066 ، الحديث رقم 6114 ) . والمعنى المُراد يتمثل في كون " القوة الحقيقية تكمن في امتلاك النفس والسيطرة عليها عند فوران الغضب " ( 19 ) .
وهذا فيه تربيةٌ للإنسان المسلم على مُجاهدة النفس ومُغالبتها على عدم الغضب " لأن تعلم التحكم في انفعال الغضب إنما يُقوي إرادة الإنسان على التحكم في جميع أهواء النفس وشهواتها ، ويُمكِّن الإنسان في النهاية من أن يكون مالك نفسه وسيدها وليس عبداً لانفعالاته ، وأهوائه وشهواته " ( 20 ) .
حادي عشر / صرف انتباه الإنسان الغاضب إلى ما يُبعده عن الغضب بوسيلةٍ أو بأخرى حتى يحول ذلك دون استمرار ثورة الغضب . يقول أحد الباحثين : " ومما يُساعد على التخلص من انفعال الغضب أيضاً تغيير حالة الإنسان النفسية ، وتوجيه الانتباه إلى أمور أُخرى بعيداً عن الأمر الذي أثار الغضب ، فيشتغل الإنسان بالتفكير فيه ، وينصرف عن التفكير في الأمر الذي أثار الغضب . وكذلك فإن مما يُساعد على التخلص من الانفعال القيام بمجهودٍ بدنيٍ عنيف لتبديد الطاقة البدنية والتوتر العضلي اللذين أثارهما الانفعال " ( 21 ) .

من صور الإعجاز التربوي النبوي ..الوصية النبويَّة
 p  لا ..تغضب i

بقلم الدكتور / صالح بن علي أبو عرَّاد

أُستاذ التربية الإسلامية
ومدير مركز البحوث التربوية
 بكلية المعلمين في أبها
1426هـ

No comments:

Blog And Life