الآيا ت الكونية
ودلالتها على وجود الله تعالى
للداعية الشيخ محمد متولي الشعراوي
الفصل الرابع
الآيات الأرضية ودلالتها
وفي الأرض آيات
الله سبحانه وتعالى له آيات تملأ الأرض والسماء ولكننا غافلون عنها، ومن الاعجاظ الالهي أن آيات الله لا تنتهي، فاذا مشيت في الطريق فهناك آيات، واذا صعدت الى الجبل فهناك آيات، واذا نزلت قاع البحر وجدت آيات، واذا صعدت الى السماء كانت هناك أكثر من آية.
واذا نزلت الى باطن الأرض فهناك آيات وآيات، هناك آية في تلك الشجيرة الصغيرة التي تراها تنبت في سطح الجبل، ساقها هشة لينة ربما لا تحتمل قبضة يدك ومع هذا فقد فتت الصخر ونبتت فيه، واستطاعات الشجيرة الرقيقة الرفيعة أن تمتد وتضرب في باطن الجبل وتحصل على الغذاء.
وتتعجب أنت كيف يمكن أن يحدث ذلك، ومع أنك لو أردت أن تضع ثقبا في سطح الجبل لاحتجت الى آلات حادة وقوى كثيرة، وتعرف أن الله سبحانه وتعالى الذي خلقها قد ألان لها الصخر فنبتت فيه، وألان جذورها صخور الجبل فامتدت حتى وصلت الى المصدر الذي يعطيها االغذاء.
هذه الآيات لا تحتاج الى بحث ولا الى ميكروسكوب، ولكنها تحتاج لمجرد التأمل، وفي الأرض آيات كثيرة لا تحتاج منا أكثر من أن نتأملها لنعرف قدرة الله وعظمته ونؤمن به، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:
{ انما يخشى الله من عباده العلماء} فاطر 28.
لماذا حضّ الله العلماء بالخشية؟ لأنهم وهم يبحثون في مخلوقات الله في الأرض، يرون أسرارا ودقة خلق وابداع تكوين كان يجب أن يجعلهم أول الساجدين لله، أول العابدين لله. ولكن هؤلاء العلماء الماديين بدلا من أن يفعلوا ذلك، أخذوا يحاولون النيل من الدين ومن الايمان، والانسان يعتقد أنه وصل الى أسرار الكون، ولكنه في الحقيقة لم يصل حتى الى أسرار نفسه، بل انه ينتقل من قانون الى قانون ولا يعرف كيف ينتقل، ولا ما هو سر هذا الانتقال.
فالانسان وهو مستيقظ له قوانين ربما عرفنا بعضها، ولكنه اذا نام انتقل الى قانون مختلف تماما مجهول له، فهو يخرج من الزمن، فالانسان وهو نائم لا يحس بالزمن، فاذا استيقظ فهو لا يعرف كم ساعة نامها ولا بد أن ينظر الى ساعته ليعرف كم ساعة قضاها وهو غائب عما حوله.
اذن قانون الزمن ا يسري على النائم فلا يحس بالوقت، لماذا؟ لأن الزمن هو قياس للأحداث، فنحن نقيس الأحداث بالزمن، والنائم هو خارج عن هذه الأحداث.
والانسان اذا نام رأى وعيناه مغمضتان، ومشى وجرى وقدماه لا تتحركان من فوق السرير، وتحدث لسانه ولم يتحرك، ورأى وتكلم مع أناس انتقلوا الى العالم الآخر منذ سنوات، ومع ذلك فهو يحدثهم ويسمعهم وهم يكلمونه ويسمعونه ويفهم ما يقولون، والعلم خارج هذه المنطقة تماما فلا يستطيع عالم أن يخبرنا كيف يرى الانسان وهو نائم، أو يتحرك أو يلتقي مع أناس انتقلوا للعالم الآخر، وكل ما جاء عن هذه محاولات أطلق عليها اسم العلم، انما هي تخمينات بلا دليل ومعظمها من الخيال أكثر من الواقع، ومع أن كل هذا يحدث لكل منا ويحدث كل يوم، تجد هناك من يعلن بوقاحة، ويقول انتهى عصر الدين وجاء عصر العلم وهؤلاء انما يقولون بهتانا، فالله هو الكاشف لعباده عن العلم، هو القائل في كتابه الكريم:
{ اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم} العلق 3_5.
ولكن الناس لا يؤمنون، رغم أن هناك من الأدلة المادية في الكون ما لا يعد ولا يحصى، تهدي الناس الى طريق الايمان والى وجود الله، وهؤلاء الذين لا يؤمنون بعضهم منكر للدين لأنه يريد أن يكون هو مصدر التشريع، لأن منهج الله سبحانه وتعالى قائم على العدل بين الناس، وأعطى كل ذي حق حقه، وهم يريدون أن يتميزوا وأن يأخذوا حقوق غيرهم ولا سبيل الى ذلك الا أن يضعوا منهجا من صنعهم، يعطيهم كل شيء ويسلب غيرهم كل شيء، والطريقة الوحيدة لذلك هي أن ينكروا منهج السماء.
والقسم الثاني فضل أن يعيش مع النعمة بدلا من أن يعيش مع المنعم، وهؤلاء الناس الذين متعهم الله سبحانه وتعالى بنعمه في الدنيا لم يفكروا كيف جاءت هذه النعم ولكنهم أرادوا أن يأخذوا من النعم كل ما يستطيعون، وأعماهم الطمع الانساني، فلم يفكروا الا في الحصول على نعمة المال أو نعمة السلطة أو غيرها من نعم الكون، وهؤلاء شغلوا أنفسهم بالمادة بدلا من أن يفكروا فيمن خلق المادة، وأخذوا النعم في أنهاةحق لهم دون أن يبحثوا عمن أوجدها، فرغم أن قوانينهم المادية التي يؤمنون بها، تقول: انه لا شيء يحدث في الدنيا بدون فاعل، فلم نجد مثلا عمارة نشأت هكذا دون أن يكون لها مهندس وعمال وغير ذلك ممن أقاموها، ولم يجلسوا في بيوتهم مثلا ليجدوا كمية من المال ظهرت أمامهم فجأة، وكل مصالحهم لا بد أن يتحركوا لقضائها.
ومع أن قانون المادة يقول انه لا يوجد فعل دون فاعل، فانهم لم يطبقوا هذا القانون على الكون كله، بل ادعوا أن الكون قد خلق بدون فاعل، بعضهم قال: حدث هذا بتفاعل المواد!! ولو أنصفوا لسألوا من الذي أوجد المادة أولا ومن الذي حركها ثانيا، ولكنهم تناسوا هذا السؤال.
وحتى اذا صدمتهم آية من آيات الله تكبروا عليها، ولعل هذا واضح في العالم الغربي الذي يحاول الفصل بين العلم والدين فصلا تاما، وربما كان السبب في ذلك هو المعركة الرهيبة التي قامت بين العلم والكنيسة واستمرت أكثر من قرنين، وقد كانت المنيسة تنكر العلم تماما استنادا الى التوراة وهو الكتاب المقدس لليهود، والذي تؤمن به الكنيسة، وما جاء في التوراة يقول انه شجرة التفاح التي أكل منها آدم هي شجرة المعرفة، انه حينما أكل آدم التفاحة، كشفت له علوم كثيرة فغضب الله عليه وطرده من الجنة، وكانت هذه هي المعصية الأولى التي ما زالت البشرية تعاني منها حتى الآن، والتي نكفر عنها بحياتنا في الأرض المليئة بالشقاء ولو لم يأكل آدم تفاحة المعرفة لكنا حتى الآن نعيش في الجنة.
هذه الخرافة المحرفة هي التي أدت الى المعركة بين الكنيسة والعلم! تلك المعركة التي تعرّض فيها العالم الايطالي " جاليليو جاليلي" في القرن الخامس عشر الى غضب الكنيسة عندما أثبت بالأدلة المادية كروية الأرض وأصدرت الكنيسة حكما بحرقه حيا لأنه كفر، واضطر العالم الايطالي أن ينكر ما اكتشفه.
ولكن موقف الاسلام مختلف، ذلك أن التفاحة التي أكلها آدم هي منهج الشيطان الذي أظهر عوراته وكشفها، كما يظهر تزيين الشيطان للناس في الدنيا عوراتهم فيكشفها فيصيبهم الخزي والعار.
No comments:
Post a Comment