الآيا ت الكونية
ودلالتها على وجود الله تعالى
للداعية الشيخ محمد متولي الشعراوي
الفصل الرابع
الآيات الأرضية ودلالتها
العلم كاشف قوانين الكون
أما العلم فالاسلام ينظر اليه على أنه من الله أولا، فالله يكشف آياته في الأرض للانسان، ولانسان يكتشف ولا يخلق أو يضع في الكون قوانين جديدة من صنعه، ولكن الله يكشف لمن يشاء قوانين كونه ولكل قانون وكشف ميلاد، فاذا جاء ميلاد لقانون كوني، كشفه الله لمن يبحث عنه من البشر فيعرفونه ويستخدمونه.
والله سبحانه وتعالى الذي قال:{ علم الانسان ما لم يعلم}.
يجب أن نعرف أن كل علم هو من الله، والله سبحانه وتعالى ميز الانسان على الملائكة بالعلم، فقال جل جلاله:
{ وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني يأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم اني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} البقرة 31_ 32.
هذا هو موقف الاسلام من العلم وان كان للكنيسة موقف آخر في معركة استمرت قرنين كاملين بين الكنيسة والعلماء، وعندما انتصر العلماء عملوا على تضييق نفوذ الكنيسة بحيث أصبحت لا دخل لها بالعلم، وفصلوا الدين عن الدولة الى آخر ما يرويه التاريخ.
والعلماء في أبحاثهم يحاولون انكار دور الدين ايمانا بذاتيتهم، فهم يريدون أن يقولوا نحن فعلنا ونحن اكتشفنا كما قال قارون:
{ قال انما أوتيته على علم عندي} القصص 78.
ولذلك ليس في بالهم الله وسيفاجأون بالله سبحانه وتعالى في الآخرة، مصداقا لقوله تعالى:
{ والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه، والله سريع الحساب} النور 39.
ولا يحسب أحد أن هؤلاء الذين كفروا فعلوا ذلك لأن آيات الله لم تصل اليهم، بل الآيات أمامهم ولكنهم هم الذين يتكبرون على الايمان، ويقول الحق سبحانه وتعالى:
{ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم الا كانوا عنها معرضين} الأنعام 4.
ولذلك فان اعراضهم ليس على أن الدليل المادي على وجود الله غائب عنهم ولكن لأنهم يرفضون الايمان، اما ليحققوا مصالح ذاتية، واما لأنهم لا يؤمنون بالآخرة، فيحاولون أن يأخذوا كل ما تعطيهم الدنيا على أن هذا هو كل يء، وتكون النتيجة أنهم يستخدمون كل الوسائل حلالا أو حراما في الوصول الى أهدافهم، عملا بمبدأ أن الغاية تبرر الوسيلة.
ولو أنهم فكروا قليلا لوجدوا الآيات في القرآن الكريم معجزات، ولو أنهم كانوا علماء وباحثين فعلا، لقرأوا القرآن الذي سمعوا عنه، ودرسوا الاسلام دراسة غير مغرضة، ثم بعد ذلك من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وانهم مثلا لو التفتوا الى الآية الكريمة:
{ فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة} الاسراء 2.
لعرفوا الاعجاز في هذه الآية وحدها، ولكان الاعجاز فيها كافيا لأن يؤمنوا، الله سبحانه وتعالى يقول:
{ وجعلنا آية النهار مبصرة}.
وهكذا وصف الله النهار بانه هو المبصر، ولكن النهار هو الذي يبصر أم العين هي التي تبصر؟ الذي نفهمه من تلقائية الأبصار أن العين هي تبصر، ولكن الحقيقة العلمية تختلف، فلقد ثبت علميا أن ضوء الشمس ينعكس على الأشياء ثم تدخل أشعة النور الى العين فتبصر.
اذن فالعين لا تبصر بذاتها ولا بذاتيتها، ولكنها تبصر بالضوء الذي ينعكس على الأشياء الموجودة أمامهما ويدخل الى العين، فاذا ذهب هذا الضوء وجد الظلام فان العين لا تبصر ولا ترى شيئا في الظلام الدامس، الا أن تأتي بمصباح أو مصدر من نور يلقي الضوء على الأشياء فينعكس على العين فتبصر.
وهكذا نرى دقة التعبير في القرآن الكريم في قوله تعالى:
{فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة}.
فالأبصار نسبه الله سبحانه وتعالى لضوء النهار ولم ينسبه الى العين ولقد نزلت هذه الآية والبشر كلهم لا يعلمون كيف يتم الابصار؟ ماذا كان يحدث لو تقدم العلم وكشف أن العين تبصر بذاتها وليس بانعكاس الضوء على الأشياء، أكنا في هذه الحالة نستطيع أن نقرأ في الصلاة:{ فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة}.
ألم يكن هذا كافيا لهدم قضية الدين من أساسه.
ولو أن هذا القرآن ليس من عند الله، وأنه من عند محمد عليه الصلاة والسلام، فما الذي كان يجعله يغامر بذكر قضية علمية كهذه القضية قد يثبت عدم صحتها فيضيع الدين كله، ومن أين له هذه المعلومات حتى يعرف أن الابصار يحدث بضوء النهار؟ أليس هذا دليلا ماديا كافيا للايمان بالله، وللايمان بأن القرآن منزل من عند الله الخالق لهذا الكون والعالم بأسراره؟!
No comments:
Post a Comment